سورة الحج - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


قوله تعالى: {هذان خصمان} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنَي ربيعة، والوليد ابن عتبة، هذا قول أبي ذر.
والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبيُّنا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيِّكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبيَّنا، ثم كفرتم به حسداً، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثالث: أنها في جميع المؤمنين، والكفار، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وعطاء، ومجاهد.
والرابع: أنها نزلت في اختصام الجنة والنار، فقالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته، قاله عكرمة.
فأما قوله تعالى: {هذان} وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن كثير: {هاذانّ} بتشديد النون {خصمان}، فمعناه: جمعان، وليسا برجلين، ولهذا قال تعالى: {اختصموا} ولم يقل: اختصما؛ على أنه قرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: {اختصما}.
وفي خصومتهم ثلاثة أقوال.
أحدها: في دين ربِّهم، وهذا على القولين الأوليين.
والثاني: في البعث، قاله مجاهد.
والثالث: أنه خصام مفاخرة، على قول عكرمة.
قوله تعالى: {قطِّعت لهم ثياب} أي: سُوِّيت وجُعلت لباساً. قال ابن عباس: قُمُص من نار. وقال سعيد بن جبير: المراد بالنار هاهنا: النحاس. فأما الحميم فهو الماء الحارُّ {يُصهر به} قال الفراء: يذاب به، يقال: صهرت الشحم بالنار. قال المفسرون: يذاب بالماء الحارِّ {ما في بطونهم} من شحم أو مِعىً حتى يخرج من أدبارهم، وتنضج الجلود فتتسقاط من حرِّه، {ولهم مقامع} قال الضحاك: هي المطارق. وقال الحسن: إِن النار ترميهم بلهبها، حتى إِذا كانوا في أعلاها، ضُرِبوا بمقامع فَهَوَوْا فيها سبعين خريفاً، فإذا انتهوا إِلى أسفلها، ضربهم زفير لهبها، فلا يستقرُّون ساعة. قال مقاتل: إِذا جاشت جهنم، ألقتهم في أعلاها، فيريدون الخروج، فتتلقَّاهم خزنة جهنم بالمقامع، فيضربونهم، فيهوي أحدهم من تلك الضربة إِلى قعرها. وقال غيره: إِذا دفعتهم النار، ظنوا أنها ستقذفهم خارجاً منها، فتعيدهم الزبانية بمقامع الحديد.


قوله تعالى: {ولؤلؤٍ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {ولؤلو} بالخفض. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {ولؤلؤاً} بالنصب. قال أبو علي: من خفص، فالمعنى: يحلَّون أساور من ذهب ومن لؤلؤٍ؛ ومن نصب قال: ويحلَّوْن لؤلؤاً.
قوله تعالى: {وهُدُوا} أي: أُرْشِدوا في الدنيا {إِلى الطيِّب من القول} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه لا إِله إِلا الله، والحمد لله قاله ابن عباس. وزاد ابن زيد: والله أكبر.
والثاني: القرآن، قاله السدي.
والثالث: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حكاه الماوردي.
فأما {صراط الحميد} فقال ابن عباس: هو طريق الإِسلام.


قوله تعالى: {ويصدُّون عن سبيل الله} أي: يمنعون الناس من الدخول في الإِسلام. قال الزجاج: ولفظ {يصدون} لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى {الذين كفروا}: الذين هم كافرون، فكأنه قال: إِن الكافرين والصَّادِّين؛ فأما خبر {إِنَّ} فمحذوف، فيكون المعنى: إِن الذين هذه صفتهم هلكوا.
وفي {المسجد الحرام} قولان:
أحدهما: جميع الحرم. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: كانوا يرون الحرم كلَّه مسجداً.
والثاني: نفس المسجد، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {الذي جعلناه للناس} هذا وقف التمام.
وفي معناه قولان:
أحدهما: جعلناه للنَّاس كلِّهم، لم نخصَّ به بعضهم دون بعض، هذا على أنه جميع الحرم.
والثاني: جعلناه قبلةً لصلاتهم، ومنسكاً لحجِّهم، وهذا على أنه نفس المسجد. وقرأ ابراهيم النخعي، وابن أبي عبلة، وحفص عن عاصم: {سواءً} بالنصب، فيتوجه الوقف على {سواء}، وقد وقف بعض القراء كذلك. قال أبو علي الفارسي: أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فأما العاكف: فهو المقيم، والبادي: الذي يأتيه من غير أهله، وهذا من قولهم: بدا القوم: إِذا خرجوا من الحضر إِلى الصحراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {البادي} بالياء، غير أن ابن كثير وقف بياء، وأبو عمرو بغير ياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، والمسيّبي عن نافع بغير ياء في الحالتين.
ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس أحدهما أحقَّ بالمنزل من الآخر، غير أنه لا يُخرَج أحدٌ من بيته، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة؛ وإِلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد؛ ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام، هذا على أن المسجد: الحرم كلّه.
والثاني: أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإِقامة المناسك به، هذا قول الحسن، ومجاهد. ومنهم من أجاز بيع دور مكة، وإِليه يذهب الشافعي. وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم، ويجوز أن يراد نفس المسجد.
قوله تعالى: {ومن يرد فيه بالحاد} الإِلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والباء زائدة، كقوله تعالى: {تنبت بالدهن} [المؤمنون: 20]، وأنشدوا:
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ *** وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَّبَهانِ
المعنى: وأسفله ينبت المرخ؛ وقال آخر:
هُنَّ الحرائر لا ربَّاتُ أَخْمِرَةٍ *** سودُ المحاجرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ
وقال آخر:
نحن بَنو جَعْدة أربابُ الفَلَج *** نَضرِب بالسَّيف ونرجو بالفَرَج
هذا قول جمهور اللغويين. قال ابن قتيبة: والباء قد تزاد في الكلام، كهذه الآية، وكقوله تعالى: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] {وهزِّي إِليك بجذع النخلة} [مريم: 24] {بأيِّكم المفتون} [القلم: 6] {تُلْقُون إِليهم بالمودَّة} [الممتحنة: 1] {عيناً يشرب بها} [الانسان: 6] أي: يشربها؛ وقد تزاد من، كقوله تعالى: {ما أُريد منهم من رزق} [الذاريات: 57]، وتزاد اللام كقوله تعالى: {الذين هم لربهم يرهبون} [الأعراف: 154]، والكاف، كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، وعن، كقوله تعالى: {يخالِفون عن أمره} [النور: 63]، وإِنَّ، كقوله تعالى: {فإنَّه ملاقيكم} [الجمعة: 8]، وإِنْ الخفيفة، كقوله تعالى: {فيما إِن مكنَّاكم فيه} [الأحقاف: 26]، وما، كقوله تعالى: {عما قليل ليصبحنَّ نادمين} [المؤمنون: 40]، والواو كقوله تعالى: {وتَلَّه للجبين، وناديناه} [الصافات: 103، 104].
وفي المراد بهذا الإِلحاد خمسة أقوال.
أحدها: أنه الظلم، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد: هو عمل سيئة؛ فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي، وقد روي عن عمر ابن الخطاب أنه قال: لا تحتكروا الطعام بمكة، فإن احتكار الطعام بمكة إِلحاد بظلم.
والثاني: أنه الشرك، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.
والثالث: الشرك والقتل، قاله عطاء.
والرابع: أنه استحلال محظورات الإِحرام، وهذا المعنى محكيٌّ عن عطاء أيضاً.
والخامس: استحلال الحرام تعمُّداً، قاله ابن جريج.
فإن قيل: هل يؤاخذ الإِنسان إِن أراد الظلم بمكة، ولم يفعله؟
فالجواب من وجهين.
أحدهما: أنه إِذا همَّ بذلك في الحرم خاصَّة، عوقب، هذا مذهب ابن مسعود، فإنه قال: لو أن رجلاً همَّ بخطيئة، لم تكتب عليه ما لم يعملها، ولو أن رجلاً همَّ بقتل مؤمن عند البيت، وهو ب عَدَنِ أَبْيَن، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم. وقال الضحاك: إِن الرجل ليهمُّ بالخطيئة بمكة وهو بأرضٍ أخرى، فتكتب عليه ولم يعملها. وقال مجاهد: تضاعف السيئات بمكة، كما تضاعف الحسنات. وسئل الإِمام أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال: لا، إِلا بمكة لتعظيم البلد. وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها؛ وقد جاور جابر بن عبد الله، وكان ابن عمر يقيم بها.
والثاني: أن معنى: {ومن يرد}: من يعمل. قال أبو سليمان الدمشقي: هذا قول سائر من حفظنا عنه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8